يعبر شعبان هو ثامن الشهور في التقويم الهجري الذي بدأ قبل 1440 عام منذ هجرة الرسول صلّ الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة، وهو الشهر الذي يقع ما بين رجب ورمضان، وهو أحد الأزمنة ذات الفضل عند الله عز وجّل، فهو من الأشهر القلائل التي يأتي بها أيام النفحات، حيث به ليلة النصف من شعبان وهو الشهر الذي تُرفع فيه أعمال العباد إلى الله.
وبحسب السرد فإن أسباب تسمية شعبان بهذا الاسم كان لمصادفته تشعب العرب بالبلدان وقتها بحثاً عن الماء لرعيهم وإقامتهم، أو انتشارهم فيه لطلب القتال بعد الامتناع عنه في الأشهر الحُرُم التي تسبق هذا الشهر.
وعلى الرغم من عظمة الأجر في هذا الشهر إلا أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم، وصفه بالشهر الذي يغفل عنه الناس ما بين رجب ورمضان. بحديثه الذي رُويَ عن أسامة بن زيد رضي الله عنه (ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفَع عمِلي وأنا صائِم).
ليلة النصف من شعبان
ويُعتبر الحدث الأبرز في شعبان على الرغم من الإجماع على عظمة الأجر به كاملاً، هي ليلة النصف من شعبان والتي تُسمى ايضاً ليلة البراءة، وليلة الدعاء، وليلة القِسمة، وليلة الإجابة، والليلة المباركة، وليلة الشفاعة، وليلة الغفران والعتق من النيران. في عدد مختلف من التفسيرات والدول التي بها مسلمين حول العالم، مثل الهند التي يُطلق المسلمون عليها هناك ليلة البراءة، وتختلف مساميتها على هذا الشكل حسب الثقافة.
في هذا المقال سنتطرق إلى سرد فضل ليلة النصف من شعبان وما هي المستحبات في ليلة النصف من شعبان وبعض السنن النبوية التي تم ذكرها في الحديث الشريف، وبعض البدع في ليلة النصف من شعبان.
فضل ليلة النصف من شعبان
أجمع معظم العلماء على أفضلية إحياء ليلة النصف من شعبان دون وقوع شرطاً إلزامياً على ذلك، ففي هذه الليلة يطلع الله عز وجّل إلى خلقه فيغفر للجميع إلا مشركاً أو مشاحن.
وكما روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن قول نور الدين الهيثمي، إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه.
وهناك بعض الأحاديث الأخرى عن فضل هذه الليلة إلا أن بعضها ضعيف وشديد الضعف في السند أي أنها لا يُعتد بها.
مستحبات ليلة النصف من شعبان
كان رسول الله صلّ الله عليه وسلم يقوم ببعض الممارسات المستحب القيام بها في شهر شعبان وهناك بعض الممارسات الأخرى التي تستند على الأحاديث التي تخص ليلة النصف من شعبان ومنها..
الصيام: كان الرسول صلّ الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في شعبان حيث روت السيدة عائشة رضى الله عنها أن الرسول ما كان يُتمم شهراً في الصوم سوى رمضان وما كان يصوم في الأشهر الأخرى أكثر مما يصوم في شعبان.
وعندما سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه، عن السبب أخبره بنص الحديث الذي ذكرناه بالأعلى حول رفع الأعمال في هذا الشهر وحرصه على نيل درجات أعلى من الصيام خاصةً وانه نوع من أنواع الصبر الذي قال الله تعالى عنه في سورة الزمر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
القيام: قيام الليل أحد أعظم المستحبات التي يُجزي الله عنها العباد خيراً في سائر الأيام، حيث أن فضل ذكر الله ورسوله والصلاة وأغلب الناس نيام عليه أجراً عظيم، كما ذكُر في أكثر من موضع بالقرآن الكريم بسورة المزمل والذاريات والفرقان وغيرها. ويُستحب أن يتم قيام الليل في ليلة النصف من شعبان.
الدعاء: يُقال أن شعبان هو الشهر الذي يضع فيه الله سبحان هو تعالى الأقدار والأرزاق والمصائب والأفراح للعباد ويؤخرها ويقدمها كما يشاء، وإن كان هذا السند ضعيف إلا انه من المستحب أن يدعو العبد إلى الله بكثرة في ليلة النصف من شعبان خاصةً بالاستناد على أحديث النبي صلّ الله عليه وسلم التي تؤكد استجابة الله للعباد وغفرانه لهم في هذه الليلة.
صلة الأرحام وإنهاء المشاحنات والخُصومات: من أهم المستحبات في ليلة النصف من شعبان العدول عن الخصام والخروج من المشاحنات التي تقبل الصُلح، فشرطاً أساسياً حسب حديث الرسول صلّ الله عليه وسلم ليغفر الله لعباده في تلك الليلة التي يطلع فيها عليهم هي ألا يكون مشاحن.
ويُعتبر أمر صلة الأرحام وإنهاء المشاحنات واحداً من أبرز الأشياء التي تمت الإشارة إليها في عدد كبير من الأحاديث النبوية الصحيحة من بينها، (لا يحلُّ لمسلم أَن يهجر أَخاهُ فوق ثلاثِ ليالٍ يلتقيانِ، فيُعرِضُ هذا، ويُعرِضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلام)، و (تعرض الأعمال على الله في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل مسلم إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا).
بدع ليلة النصف من شعبان
انتشرت بعض البدع والمعلومات المغلوطة عن ليلة النصف من شعبان، حيث أخرج البعض أن في صلاة ليلة النصف من شعبان مئة ركعة، وهو ما لم يُثبت ابداً في أي حديث نبوي حتى ولو ضعيف جداً في السند. كما حرم عدد كبير من العلماء ما تم الترويج له بصلاة 6 ركعات في ليلة النصف من شعبان بنية دفع المصائب وطول العمر.
كما لم يُثبت مساواة ليلة النصف من شعبان بليلة القدر، وهي حتماً ليست ليلة القدر نفسها كما يُروج البعض.
وتعتبر مسألة إقامة التجمعات في المساجد أو الموالد وإحياء هذه الليلة بشكل يميل إلى الرسمية أكثر هو من البدع، حيث يُستحب أن يتعبد بها الناس كلاً على حدي دون أخذها بالمأخذ الرسمي كالذي يحدث في العشر الأواخر من شهر رمضان بصلاة التهجد وخلافه.
ختاماً فلا تُعتبر ليلة النصف من شعبان أمراً استثنائياً أو ليلة يكون فيها أبواب الله مفتوحة دون عن غيرها في السنة، بل هي مجرد واحدة من نفحات تحدث عنها رسول الله في حديثه الشهير (إلا أن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها).
وتعد أبرز هذه النفحات هي شهر رمضان، وليلة القدر، وليلة التروية، وليلة ويوم عرفة، وليلة النحر، وليلة عيد الفطر.